الأربعاء، ٢٦ سبتمبر ٢٠٠٧

31) ومن آدابهم رضى الله عنهم : تفويضهم أمر الطريق إلى الله تعالى

ومن آدابهم رضى الله عنهم : تفويضهم أمر الطريق إلى الله تعالى ، ولا يصدهم ما آل إليه أمر الطريق من انكفاف الناس عن أمر الآخرة ، وغلبة انشغالهم بالدنيا لا يصدهم ذلك عن القيام بما وجب عليهم من النصحية لله ولرسوله ولعامة المسلمين ، وبذل غاية الجهد فى الدعوة إلى الله ، لا يصرفهم عن ذلك ضعف إقبال الناس ، وقد كنت يوما فى صحبة سيدى توفيق الضبع قدس الله سره (وهو من خلفاء سيدنا الشيخ نجم الدين الكردى قدس الله سره ، وكان من كبار علماء الأزهر الشريف) ، فذهبنا إلى ضريح سيدنا الكردى قدس الله روحه ، فوجدنا مولانا شيخ الإسلام ضياء الدين الكردى جالسا هناك ، فأخذا فى الحديث عما آل إليه الحال ، فقال سيدى توفيق : ما عاد أحد يأتى إلا فى سؤال الدنيا وما يتعلق بها . فقال مولانا شيخ الإسلام ضياء الدين الكردى : مضى علىّ عدة أشهر طويلة لا يسألنى أحد فى أمر الآخرة ، ولا فى السلوك ، ولا يسألنى أحد إلا أمرا من أمور الدنيا ، وصارت جيوبى مليئة بقصاصات طلب التوصيات والحوائج الدنيوية ونحو ذلك ، وليس هناك أحد يطلب شيئا من أمر الآخرة ولا يسأل عنها .

الاثنين، ٢٤ سبتمبر ٢٠٠٧

30) ومن آدابهم رضى الله عنهم : التقلل من النعيم الدنيوى قدر المستطاع

ومن آدابهم رضى الله عنهم : التقلل من النعيم الدنيوى قدر المستطاع عملا بقوله تعالى {ولتسألن يومئذ عن النعيم} ، وهذا كان شأن السلف جميعا رضى الله عنهم ، يتقللون من نعيم الدنيا خشية كثرة السؤال يوم القيامة ، وقد تواتر إلينا عن مولانا الشيخ نجم الدين الكردى قدس الله سره من هذا المعنى الكثير ، ومن ذلك بكاؤه عند دخول الكهرباء والإنارة الحديثة إلى بيوت ، وتذكره حال الناس قبلها ، فكان يبكى لذلك ويقول : هذا من النعيم الذى سنسأل عنه ، وهذا كان حاله أبدا مع غير ذلك من المخترعات الحديثة . ومن ذلك أيضا : عدم توسع سيدنا الشيخ ضياء الدين الكردى قدس الله سره ، وسيدنا الشيخ سيف الدين محمد الكردى نفعنا الله به فى شراء السيارات الفارهة رغم كثرة الأسفار اليومية إلى أقاليم القطر المصرى ، والحاجة الماسة لسيارة فارهة تخفف من صعوبة السفر شبه اليومى ، ومع ذلك يقتصرون على الحد الأدنى ، ومن ذاق مشقة السفر شبه اليومى مع كثرة الأعباء والأحمال التى تستغرق الأوقات والأعمار بلا راحة لا حلا ولا ترحالا علم يقينا أن تركهم للرفاهة فى ذلك هو عين الزهد ، فإن الزهد الحقيقى لا يكون عن فقد ، بل عن قدرة ووجد ، أما الفاقد فليس على حقيقة بزاهد ، بل مدع للزهد فقد يصدق وقد يكذب ، ولا يظهر ذلك إلا بالامتحان والابتلاء . وقد عد النبى صلى الله عليه وسلم من سعادة ابن آدم : المرأة الصالحة ، والمسكن الصالح ، والمركب الصالح ، وفى رواية المركب الهنيئ ، وروى أنه صلى الله عليه وسلم لما سئل : أمن الكبر أن يكون لأحدنا النجيبة الفارهة ؟ قال صلى الله عليه وسلم : لا . ولا شك أن النعيم والزهد ومقدارهما يختلف باختلاف العادات والأزمان والأماكن والمستوى المعيشى ، والمكانة الاجتماعية ، فربما عد الاقتصار على فعل شىء زهدا فى حق شخص ، ويعد نعيما وتوسعا فى الدنيا فى حق آخر ، وهذا من المسائل المهمة ، فليس هناك ميزان واحد فى حق الجميع .

الجمعة، ٢١ سبتمبر ٢٠٠٧

29) ومن آدابهم رضى الله عنهم : عدم افتعالهم أو اصطناعهم للناموس

ومن آدابهم رضى الله عنهم : عدم افتعالهم أو اصطناعهم للناموس فى زى أو حركة أو جلسة أو دخول أو خروج أو غير ذلك ، وإنما ناموسهم : القيام بالشريعة والعمل بالكتاب والسنة لا غير ، وإقبال القلب على الله وسلامة الباطن ، والحال الصادق ، أو المقام المتمكن . ولا يزيدون بعد ذلك عما اعتاده الناس واحتملته أعرافهم وتقالديهم ، بحيث لا يدل ظاهرهم بمفرده على محاولة تميز عن الخلق ، ولهذا فتجد فملبس مشايخنا هو ما اعتاد لبسه علماء مصر من اللباس الأزهرى التقليدى الأصيل من الجبة والقفطان والعمامة ، ثم يلبسون بعد ذلك ما اعتاده الناس فى مصر دون زيادة على ذلك ، وهذا الأدب من مشايخنا وراثة محمدية حقيقية ، وفى السنة الثابتة : ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس بين ظهراني أصحابه فيجيء الغريب فلا يدري أيهم هو حتى يسأل)) ، فلم يكن النبى صلى الله عليه وسلم يختص بناموس لنفسه إلا ما اضطرته إليه ضرورة التبليغ من القيام على المنبر ، أو الجلوس على شىء مرتفع ليعرفه الغريب ، وكذلك يفعل سائر الأخوان ، فلا شارات ولا علامات ولا ألوان معينة تميز أحدا منهم عن سائر الخلق ممن لم يدخل فى الطريق ، أو تميز بعضهم على بعض بحسب مرتبته ، لا شىء من ذلك . والمعنى فى ذلك أن من صدق مع الله فناموسه الشريعة ، وكرامته الاستقامة ، لا يحتاج إلى أكثر من ذلك ، وأما غير الصادق مع الله فيحتاج لكى يتمشيخ على الناس إلى ناموس مفتعل مصطنع يمتاز به عن الخلق ليلووا رؤوسهم إليه وليعرفوه به ، ثم يسرى ذلك الطلب للناموس لمن تبعه فيريدون الامتياز بشىء عن العامة ليقال ويشار ، وليس كذلك حال مشايخنا ولا ما ربوا مريديهم عليه ، فالحمد لله على نعمة صحبتهم فإنها تورث الصدق .

الأربعاء، ١٩ سبتمبر ٢٠٠٧

28) ومن آدابهم رضى الله عنهم : معرفة معنى المشيخة والتصدر ، وتقدير ذلك حق قدره

ومن آدابهم رضى الله عنهم : معرفة معنى المشيخة والتصدر ، وتقدير ذلك حق قدره ، وإعظامه ، وإجلاله ، وعدم التهاون فيه ، وأخذ أسبابه ووسائله لمن قُدِّر الله له ذلك منهم ، ثم المصابرة لذلك والقيام بحق الله وحق النبى صلى الله عليه وسلم وحق العباد فيه إذا كتب الله عليهم التصدر على الخلق ، فإن التصدر والمشيخة من أثقل الوظائف وأشقها وأعظمها حملا على الإنسان خاصة إذا قدر لها قدرها ، وقام بحقها وآدابها ، فإن الشيخ يصير مسئولا عن أتباعه ويصير لهم كالراعى ، ويصيرون له كالرعية ، فيسأل هل أخلص لهم النصيحة ، وهل قام بتأديبهم ، وتعليمهم ، أم أضاعهم . ويصير الناس أيضا يتعلقون برقاب مشياخهم فى كل مشكلاتهم حتى فيما يكون بينهم وبين أهلهم ويسألونهم المشورة فى جليل أمرهم وحقيره ، وفيما يتعلق منه بأمر الدنيا أو أمر الآخرة ، ولهذا يصير مشايخنا يحملون الأحمال العظيمة من هموم الناس ومشكلاتهم ، ومن كثرة توجه همتهم وقلوبهم إلى الله فى قضاء مصالح المريدين والأحباب الأخروية والدنيوية ، فلا يصير للشيخ راحة أبدا ، وهذا ما علمته بيقين عن سيدنا الشيخ نجم الدين الكردى وسيدنا الشيخ عبد الرحمن قدس الله سرهما ، مما تواتر لدى عنهما من أخبار ذلك ، وهو أيضا ما رأيته وسمعته بنفسى فى وقائع كثيرة من مولانا شيخ الإسلام ضياء الدين الكردى قدس الله روحه ، وسيدنا الشيخ سيف الدين الكردى نفعنا الله به ، بحيث يصير من يتفطن لهذا لا يتمنى أبدا أن يكون شيخا ولو على واحد . وكثيرا ما أسمع سيدنا الشيخ سيف نفعنا الله به – عندما يعرض له شىء من تلك الأحمال - يذكر دائما عجز العبد وضعفه وقلة حيلته ، وأن الحول والقوة بالله وحده ، فتستشعر الإخلاص والتحقق الصادق باللجوء إلى الله وحقيقة التوكل عليه تعالى فى كل حرف يقوله . وقد رأيت إدراك معنى المشيخة متصورا تام التصور فى سيدى أحمد بن مولانا شيخ الإسلام ضياء الدين الكردى نفعنا الله بهما ، وذلك من فطانة قلبه وروحه مع كثرة مصاحبته لمولانا شيخ الإسلام ضياء الدين قدس الله سره فى حله وترحاله ، واطلاعه على ذلك فى عشرات بل مئات الوقائع مع مولانا شيخ الإسلام ، وقد خبرت سيدى أحمد وخالطته مخالطة تامة ، ورأيت فيه إدراكه لهذا المعانى بعمقها وإدراكه الصحيح والعميق لمعنى المشيخة ، وهو بحق نفعنا الله به قد تمت فيه المشيخة حسا ومعنى . وهذا من أهم آدابهم وأتمه .